تطبيق السياحة المستدامة

تطبيق السياحة المستدامة

على مدار السنوات الماضية كان ينظر إلى السياحة كونها مصدر أساسي للنمو الاقتصادي والتنمية، وفي الوقت نفسه لم يكن يلتفت إلى التأثير السلبي الذي يمكن أن تتركه على الموارد الطبيعية وأساليب الحياة للمحليين، بل وتغير الثقافات أيضا، ومع تكثيف النشاط السياحي والاختفاء التدريجي للموارد غير المتجددة، تغير العالم بحيث أصبحت الآثار الضارة للسياحة أكثر وضوحا.

استراتيجيات السياحة المستدامة

إن الهدف الأساسي من السياحة والسفر يكمن في التوغل في أعماق البلد المستهدف، لذلك إذا كنت تريد الذهاب إلى أبعد من مجرد سياحة عابرة، وإذا كنت تود حقا الاقتراب من المحليين، فيمكنك الاعتماد على الشركات المحلية اللبنانية التي تدعم استراتيجيات السياحة المستدامة.
هناك بعض الشركات المحلية في لبنان التي قامت باختيار السير على نهج السياحة المستدامة، حيث اعتمدت على بعض الاستراتيجيات التي تمكنها من المساهمة في هذا المجال ومنها:
- تتكون من أماكن إقامة صغيرة الحجم تبدأ من غرفتين إلى 15 غرفة، مدمجة في مناطقها المحلية في انسجام مع محيطها، وبالتالي توفر دعما للتنمية المستدامة.
- التجارب التي يتم اقتراحها على السائحين محدودة من حيث تواتر وعدد المشاركين، بقدر  لا يؤثر على البيئات الطبيعية والبشرية التي تحدث فيها.
- لا يقتصر وجود تلك الشركات السياحية المحلية على الوجهات السياحية المعروفة لقد قامت كذلك باختيار واعٍ للتواجد في مناطق أقل شهرة من أجل تجنب تطور غير متوازن في الجانب السياحي.
- وفي الوقت نفسه تركز تلك الهيئات على ممارسة الزراعة المستدامة، والسياحة الزراعية، واستخدام المنتجات المحلية والدراية التقليدية، سواء كان ذلك في مجال الطهي أو المجال الحرفي.
- العمارة التراثية هي علامة بصرية قوية تتصدر اهتمامات تلك الشركات المحلية، إنها جليّة في المناطق الريفية وبيوت الضيافة الواقعة في قلب بيروت.
- كما تهتم تلك الشركات بضمان أن الذكريات والتجارب التي نقدمها متاحة لجميع المسافرين وليس فقط لأقلية مختارة، حيث تقدم مجموعة واسعة ومتنوعة من الأسعار تتراوح بين 80 دولارًا  إلى 350 دولارًا في الليلة لضيفين، تشمل وجبة الإفطار.
- إنهم يؤمنون دائما بأن احتياجات السائحين تستحق أكثر من مجرد استجابة آلية، يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، حيث يتم التعامل مع كل طلب من قبل أحد أعضاء الفريق من أجل ضمان تجربة مخصصة.
- تلقي تلك الهيئات المحلية الضوء على الأصالة، لأنهم يعتقدون أن السفر لا يمكن أن يكون قائما دون التفاعل البشري والإثراء المتبادل بين المسافرين والمحليين، لذلك لا يقدمون البرامج الموحدة العقيمة وإنما يسعون لاختلاف اللقاءات في كل مرة وإزالة ما بها من رتابة أو ملل.
- تبدأ مشاركتهم الصديقة للبيئة بمجرد وصولك إلى موقعنا على الويب، لقد اختار معظمهم استضافة الويب الخضراء لضمان البصمة البيئية لموقعهم الالكتروني،  وعلاوة على ذلك فإن مجلة السفر الرقمية  تسمح لك باكتشاف فريد للبنان خارج المسار المعروف.

قواعد السياحة المستدامة

يمكن عرض القواعد العامة للسياحة المستدامة في النقاط التالية:
  •  الحد من الآثار السلبية للسياحة على الموارد الطبيعية والثقافية والاجتماعية في المناطق السياحية
  • توعية السياح بأهمية الحفاظ على المناطق الطبيعية
  •  إجراء بحوث اجتماعية وبيئية في المناطق السياحية  للحد من الآثار السلبية
  •  إن جهود الحكومة لتحسين نوعية التعليم وتحسين جودته وتنمية السياحة ينبغي أن تواكب التنمية الاجتماعية والبيئية، بمعنى أن تكون التطورات في جميع المجالات متزامنة بحيث لا يشعر المجتمع بتغير مفاجئ
  •  الاعتماد على بنية تحتية تتماشى مع الظروف البيئية، والحد من استخدام الأشجار لأغراض التدفئة، والحفاظ على الحياة البرية والثقافة.

مبادئ السياحة المستدامة

قبل البدء في تطبيق السياحة المستدامة في لبنان كان لابد من وضع بعض المبادئ الأساسية في الاعتبار، ومنها:
  • أن يكون تخطيط السياحة وتنميتها وإدارتها جزءا من استراتيجيات الحماية أو التنمية المستدامة في لبنان، ويجب تخطيط وإدارة السياحة بطريقة موحدة ومتداخلة تشمل مشاركة مختلف الوكالات الحكومية والمؤسسات الخاصة والمواطنين، سواء أكانوا جماعات أم أفرادا، من أجل تحقيق أكبر الفوائد.
  •  اتباع المبادئ الأخلاقية وغيرها من المبادئ التي تحترم الثقافة اللبنانية وبيئتها واقتصادها، والأسلوب التقليدي لحياة المجتمع وسلوكه، بما في ذلك الأنماط السياسية.
  •  تخطيط السياحة وإدارتها بطريقة مستدامة من أجل حماية الاستخدام الاقتصادي الأمثل للبيئة الطبيعية والبشرية في لبنان.
  •  أن تولي السياحة الاهتمام للتوزيع العادل للفوائد بين مروجي السياحة وأفراد المجتمع اللبناني.
  •  وينبغي تشجيع السكان المحليين على الاضطلاع بأدوار قيادية في هذا المجال.

كيفن ريفاتون خبير السياحة المستدامة في لبنان

لقد عرف كيفن ريفاتون Kevin Rivaton أن السياحة المستدامة هي الحل الأمثل للتنمية السياحية جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، لذلك بناءً على خبرته الواسعة في هذا المجال حرص دائما على زرع أسس السياحة المستدامة في المجتمع اللبناني، محفزا بذلك الشركات والمرافق السياحية المحلية على تبني استراتيجياتها، مما يؤدي إلى جني ثمار نجاحاتها المتوقعة في الفترة المقبلة.

نتائج الاعتماد على السياحة المستدامة

تتطلب التنمية المستدامة للسياحة مشاركة مستنيرة من جانب أصحاب المصلحة، فضلا عن قيادة سياسية قوية لكفالة المشاركة على نطاق واسع وبناء الآراء، ولذلك يأمل كيفن ريفاتون الخبير اللبناني الفرنسي للسياحة المستدامة أن يحصل على بعض النتائج جراء اتباع استراتيجياتها، ومن تلك النتائج:
  • الاستخدام الأمثل للموارد البيئية، وهي عنصر أساسي من عناصر تنمية السياحة والحفاظ على العمليات البيئية الرئيسية والمساعدة في الحفاظ على التراث الطبيعي والتنوع البيولوجي.
  • احترام الأصالة الاجتماعية والثقافية للمجتمع اللبناني المضيف، وكذلك الحفاظ على التراث الثقافي للقيم المعمارية والمعيشية والتقليدية، مما يسهم في التفاهم والتسامح بين الثقافات.
  • كفالة وجود عمليات اقتصادية مستدامة طويلة الأجل توفر منافع اجتماعية واقتصادية لجميع أصحاب المصلحة الموزعين توزيعا عادلا، بما في ذلك العمالة الثابتة وفرص كسب الرزق والخدمات الاجتماعية في المجتمع اللبناني وتسهم في القضاء على الفقر.
  • كما أن السياحة المستدامة لها تأثير في الحفاظ على مستوى عال من الرضا عن السياحة وضمان أن يكون للسياح خبرة ذات مغزى، مع زيادة الوعي حول الاستدامة وتعزيز الممارسات السياحية المستدامة فيما بينهم.

تجربة محمية الشوف للأرز في لبنان

تمتد محمية الشوف الطبيعية للأرز من الجزء الخلفي من البيدر الشمالي إلى جبل نيحة بالقرب من جزين ناحية الجنوب، وتتمتع المنحدرات الشرقية في المحمية المغطاة بالبلوط بمناظر خلابة لوادي البقاع، لكن أكثر ما يجذب الزوار هو غابات الأرز الموجودة في أعلى المنحدرات الغربية من سلسلة جبال لبنان. 
وفوق قرية الباروك يرى الزائر بشكل واضح صفوف من المصاطب التي غرست فيها أشجار الأرز في الستينات من ضمن جهود إعادة التشجير، وبعد منع الرعي المفرط وحفظ الغابات تشهد غابة الأرز عملية تجديد طبيعية، حيث تمثل أشجار الأرز حوالي 5 في المائة من مساحة المحمية، ونتيجة لزيادة سلامة المحمية أصبحت موقعا ممتازا لصيانة الثدييات الكبيرة مثل الذئاب أو الضباع أو الأيل الجبلي أو الغزلان، كما أنشأت المحمية بحيرة جبلية لشرب الحيوانات منها.

نتيجة تطبيق السياحة المستدامة في المحمية

واليوم، تُعتبر المحمية موقعا مهما للطيور المهاجرة، وهي تقع على الدروب القارية، وهي مكان عظيم لمَن يحبون مشاهدة الطيور، ولديه وفرة من الأزهار والنباتات الطبيعية والفطرية، وبعض المواقع الأثرية مثل حصن نيحا. 
لقد أصبحت المحمية تشكل موقعا سياحيا مهما لكثير من السياح والزوار التواقين إلى التعرف على المعالم النادرة للمنطقة، وهناك مركز استقبال في المنطقة يستقبل ويرشد المجموعات السياحية مصحوبة بمرشدين للسياحة الإيكولوجية.
 وفيها يمكن القيام برياضات مختلفة مثل المشي وركوب الدراجات والتنقل بالحافلات الصغيرة تحت إشراف مرشدين متخصصين، وتوجد بالقرب من غابات الأرز مجموعة واسعة من المحلات التجارية المتخصصة في الصناعات التقليدية والحرفية ولا سيما الأخشاب، ولكن هناك أنظمة صارمة لقطع الأشجار خشية أن تتأثر الغابات بهذه الصناعات.
ويشكل نموذج محمية الشوف للأرز مثالا جيدا على السياحة المستدامة الموجهة التي تحافظ على التراث الطبيعي والتاريخي والحيوي والبيئي، مع إعطاء السكان المحليين فرصة عظيمة للاستفادة من السياح القادمين إلى المنطقة، سواء من حيث مرافقة المجموعات السياحية كمرشدين، أو العمل في المركز لبيع الأغذية العضوية المنتجة من المنطقة، أو من خلال توفير الأغذية أو بيع الصناعات التقليدية للسياح.

إرسال تعليق

0 تعليقات